هذه السورة على قصرها ووجازتها- قد حوت أسرار
القرآن، واشتملت على مقاصده الأساسية بالإجمال، ولهذا تسمى أم القرآن فهي
تتناول أصول الدين وفروعه، تتناول العقيدة والعبادة والتشريع والجزاء
والإيمان بأسماء الله الحسنى، وصفاته العليا، وتأمر بإفراده بالعبادة
والاستعانة والدعاء والتوجه إليه تعالى بطلب الهداية إلى الدين الحق
والصراط المستقيم، والتضرع إليه بالتثبيت على الإيمان، ونهج سبيل الصالحين
وتجنب طريق المغضوب عليهم والضالين، وفيها الحديث عن منازل السعداء ومراتب
الأشقياء، وفيها التعبد بأمر الله تعالى ونهيه إلى غير ما هنالك من مقاصد
وأهداف، وقد تكلم في فضل هذه السورة كثير من العلماء والمفسرين، ولأهمية ما
كتبوه ننقل بعضًا منه ثم نُتبِع ذلك بالأحاديث الواردة في فضلها مع شرح
معانيها، والله المستعان.
قال الإمام القرطبي رحمه الله في تفسيره: وفي
الفاتحة من الصفات ما ليس لغيرها حتى قيل: إن جميع القرآن فيها وهي خمس
وعشرون كلمة تضمنت جميع علوم القرآن.
ومن شرفها أن الله سبحانه قسمها
بينه وبين عبده، ولا تصح الصلاة إلا بها، ولا يلحق عمل بثوابها، وبهذا
المعنى صارت أم القرآن العظيم، كما صارت قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن؛
إذ القرآن توحيد وأحكام ووعظ، و قل هو الله أحد فيها التوحيد كله، وبهذا
المعنى وقع البيان في قوله عليه الصلاة السلام لأبيّ: "أي آية في القرآن
أعظم؟" قال: "الله لا إله إلا هو الحي القيوم". وإنما كانت أعظم آية لأنها
توحيد كلها كما صار قوله: "أفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا
الله وحده لا شريك له". أفضل الذكر لأنها كلمات حوت جميع العلوم في
التوحيد، والفاتحة تضمنت التوحيد والعبادة والوعظ والتذكير.
وقال
العلامة ابن عثيمين رحمه الله في تفسير القرآن الكريم (1-3): سورة الفاتحة
سميت بذلك لأنه افتتح بها القرآن الكريم، وقد قيل إن أول سورة نزلت كاملة،
هذه السورة قال العلماء: إنها تشتمل على مجمل معاني القرآن في التوحيد
والأحكام والجزاء، وغير ذلك، ولذلك سميت "أم القرآن" والمرجع للشيء يسمى
"أُمًّا".